النطفة تكوينها ومعلومات عنها

أشرنا في تدوينات سابقة إلى أن معاني النطفة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة تشمل الحيوان المنوي الذكري sperm والبويضة الأنثوية Ovum باعتبارهما المادة التي يتم منها تكوين الجنين, ويطلق عليها معًا في كلٍّ من علم الوراثة وعلم الأجنة الحديث تسميةً واحدةً, هي gamate, وهو لفظ استخدمه البعض في العربية بصورته الأصلية فقالوا: "الجميط" كما استخدم البعض الآخر كلمة "اللاحقة", والأصح في رأينا أن نستخدم اللفظ القرآني البديع "النطفة".

النطفة سواء أكانت مذكرة "حيوان منوي" أو مؤنثة "بويضة", فإنها خلية حية، إلّا أنها خلية ذات طبيعة خاصة وتكوينٍ مختلف عن باقي خلايا الجسم الإنسان, ولهذا يطلق عليها العلماء تسميات مميزة, ومن ذلك مثلًا: الخلية التناسلية أو الخلية الجرثومية, وحتى نوضح الفرق بين نوعي الخلايا نبدأ بوصف الخلية الحية العادية, ثم نتبع ذلك بوصف النطفة "الخلية التناسلية أو الجرثومية".




الأصلية التكوين الأساسي للخلية:
الجسم الإنسان -والحيواني عامة- هو في جوهره بناء خلوي, وتؤلف الخلايا بدورها الأنسجة, ثم الأعضاء, ويبلغ عدد الخلايا في جسم الإنسان حوالي 15 تريليونًا عند الولادة، هي نتاج انقسام الخلية الواحدة المخصبة "النطفة", التي بدأت بها حياة الإنسان قبل ذلك تسعة أشهر تقريبًا, والتي سوف نصف تكوينها.
ومن المعروف الآن أن كل خلية من خلايا الجسم -سواء أكانت من خلايا العظام أم العضلات أم الجهاز العصبي أم غيرها, لها نواة nucleus, عبارة عن كتلة داكنة تحتوي على الكروموزومات أو الصبغيات Chrmomsomes, وهي أبينة
بيولوجية على هيئة شريط أو خيط, وتسمى الوحدات الوظيفية التي تؤلف الصبغيات "الكروموزمات" الجينات أو المورثات Genes, وتعد المورثات مسئولة عن تكوين بروتين الجسم الذي يؤثر في نشاط الخلية, بالإضافة إلى أنها هي المسئولة عن توجيه التغيرات التي تطرأ على الجسم ونموه.
وتختلف الصبغيات من حيث عددها وبنائها في الخليفة الحية باختلاف الأنواع الحيوانية المختلفة, وفي الإنسان فإن جميع خلاياه الحية "ما عدا النطفة لكلٍّ منها نظيره"، منها 22 زوجًا متشابهًا في كلٍّ من الجنسين, وتسمى الصبغيات المتشابهة "الأوتوزومات" autosomes, أما الزوج الثالث والعشرين "وهو كرموزوم الجنس" فيختلف في الذكور عنه الإناث "وهو ما سنوضحه فيما بعد".
ويزداد عدد الخلايا في الجسم الإنساني عن طريق الانقسام الفتيلي Mitosis, وفيه يحدث أولًا أن يزداد عدد أزواج الصبغيات في الخلية الواحدة إلى الضعف، وينتج عن ذلك أن تنقسم هذه الخلية إلى خليتين, يستقل كلٌّ منهما بمجموعة كاملة من أزواج الصبغيات, ولهذا يطلق على هذا النوع "الانقسام غير المباشر", وهو يختلف عن انقسام النطفة أو الخلية التناسلية الذي يحدث بطريقة مختلفة, ويسمى الانقسام النصفي meiosis كما سنوضح فيما بعد.
أما المورثات "الجينات" التي تتألف منها الصبغيات "الكروموزمات", والتي تُعَدُّ من أهم الاكتشافات العلمية في القرن العشرين, ففي عام 1962, حصل ثلاثة علماء بريطانيون على جائزة نوبل في العلوم بسبب جهودهم في وصف بنية ووظيفة هذه المادة.
ويقدر حجم جزئي DNA بسمك لا يتجاوز 20 وحدة انجستروم, وله بناؤه الأساسي بالإضافة إلى عدد من الجزيئات الفرعية, ويتألف البناء الأساسي
لجزيء DNA من حوالي 3000 جزيء من سكر الكربون، لكلٍّ منها أساس بروتيني, وتوجد أربعة أنواع من هذه الأسس البروتينية تؤلف الجزيئات الفرعية لهذه المادة, وتتشكل هذه العناصر على هيئة سلالم لولبية حلزونية مزدوجة double helix, يبلغ عددها بضعة مئات في المورث الواحد.




وتصنف الأسس البروتينية الأربعة التي يتكون منها DNA إلى فئتين: اثنان منها أكبر حجمًا من نوع البيورين purine "وهي مركبات بيضاء متبلورة" يسميان الأدنين adinine والجوانين guanine، والآخران أصغر حجمًا من نوع البيريميدين Pyrimidine, ويعرفان بالثيمين thymine, والسيتوزين cytosine. ويمسك اثنان من هذه الجزيئات الفرعية، أحدهما من المجموعة الكبرى والآخر من المجموعة الصغرى، معًا جزيئين من جزيئات السكر, ويقع واحد من كلٍّ منهما عند إحدى حافتي السلم الحلزوني الذي أشرنا إليه، ويقع الآخر عند الحافة الأخرى؛ بحيث تؤلف الأسس البروتينية الأربعة درجات هذا السلم.
ويرى علماء الوراثة أن الأسس البروتينية الأربعة السابقة هي المادة الخام "لأبجدية" الوراثة المعقدة, كما أن البناء الأساسي لجزيء DNA, يعطيه خصائص مميزة: منها أنه في موضع جيد للتحكم في النشاط البيوكيميائي للخلية, وخاصة إنتاج بروتينات جسم الخلية التي تؤثر في النمو مدى الحياة, ومنها أنه يكرر نفسه بشكل مذهل, فعند انقسام الخلية تنفك شرائط وخيوط DNA, وتنفصل أزواج الأسس البروتينية، وتتحول خيوط منفصلة مع وحدات DNA أخرى منفصلة أيضًا تنتجها الخلية، وتتم المزاوجة بينهما بدقة مع الأسس البروتينية، وبهذا يكون الجزيء الجديد مطابقًا تمامًا للأصل.
والسؤال الآن هو: كيف تنتقل الخصائص الوراثية إلى عظام الجنين وعضلاته وأحشائه وجهازه العصبي؟ لقد أثبتت تجارب علم الأجنة الحديث أن المادة النووية -التي هي متطابقة في جميع الخلايا- توجه نمو السيتوبلازم الذي يختلف نوعيًّا في كل خلية عن الأخرى، كما يخلتف اختلافات جوهرية في الأنسجة المختلفة للجسم.
ومن الأسرار الغامضة لحدوث ذلك ما حاول العلماء الكشف عنه في الوقت الحاضر, ومن ذلك أن حامض DNA فيه ذخيرة كبيرة من الوسائط التي يرسلها مباشرة إلى ستوبلازم الخلية، ومنها عنصر كيميائي هام يسمى اختصارًا RNA1, وتؤدي المعلومات التي ينقلها هذا العنصر الكيميائي من نواة الخلية إلى
خارجها في توجيه إنتاج البروتين, والبروتينات هي مواد مركبة تؤلف أجزاء كثيرة من الجسم الإنساني, كما تؤلف مادة الهيموجلوبين hemogloabin في الدم.
ومن الممكن أن تكون التغيرات التى تحدث في الجسم أساسية في التغير النمائي الارتقائي مدى الحياة.
وتسمى المورثات التي تقوم بدور مباشر في إنتاج البروتين, المورثات البنوية structrural genes, وتتحكم في هذه المورثات البنوية مورثات أخرى تتحكم فيها بالتشغيل أو عدم التشغيل، ويسمى هذا النوع الثاني من المورثات باسم المورثات المنظمة regulator genes, وتقوم هذه المورثات المنظمة بدورها الحاسم في تحديد درجة النشاط العام للكائن العضوي, وتوقيت عمليات النمو, ولعل أشهر مثالين لهذا التوقيت في حياة الإنسان التغيرات البيولوجية في مرحلة ما قبل الولادة "الجنين", وفي مرحلة البلوغ، وكلاهما تحدده هذه المورثات المنظمة.
ويقدر عدد المورثات "الجنيات" في الصبغي "الكروموزوم" الواحد بحوالي خمسين ألف مورث في المتوسط ومعنى ذلك أن يبلغ عدد هذه المورثات في الخلية الحية الواحدة أكثر من ربع مليون مورث، تنقل جميعًا لغة الوراثة بأبجديتها الرباعية التي أشرنا إليها, وتحمل التعليمات الخاصة بنمو الخلية وانقسامها, ويهيئ كلّ منها الفرصة لإنتاج إنزيمه الخاص المميز له. والإنزيمات enzymes, هي مواد تؤدي إلى حدوث التغيرات الكيميائية في الخلية, ومعنى ذلك: أن المورثات تتحكم في النشاط البيوكيميائي للخلايا كما بينَّا، وتلعب هذه الإنزيمات باعتبارها مواد حفازة أو نشطة كيميائيًّا catalysts أدوارًا حاسمة في النمو الجسمي؛ لأنها تنتج في النهاية الخلايا المتخصصة التي توجد في الجسم الإنساني المكتمل النمو.